كتاب البحر الشاسع لدخول الخوارزميات من بابها الواسع
كتاب البحر الشاسع لدخول الخوارزميات من بابها الواسع |
ثم أما بعد:
كل البرامج التي تستخدمها على حاسوبك لم تأت من فراغ، بل هي نتاج للتركيبة البشرية التي فطر الله عز وجل الناس عليها، والتي تدفعهم باستمرار إلى إيجاد حلول لوضعيات معينة أو ابتكار وسائل للوصول إلى غايات منشودة كلما ألمت بهم حاجة، وهذا دأب الإنسان وحاله مذ أوجده الله جل وعلا، فكما أن الإنسان في أول عهده عانى من قسوة الأجواء والطقوس وتقلباتها بين قر وحر، فدفعته الحاجة إلى أن يتخذ من الكهوف والغيران مساكنا له ليحتمي بها ويلجأ إليها، ودفعته صعوبة صيد الوحوش باليد فاتخذ من جذع الشجر سلاحا له يهوي به على الطرائد، ودفعه حياؤه من الجنس الآخر فاتخذ من جلد الأنعام لباسا له يواري سوأته، ودفعته الحاجة إلى صنع مراكب يمشي بها في البحر فصنع المطرقة وباقي الأدوات، فكذلك شأن الإنسان اليوم، فإنه كلما ألمت به حاجة أو أصابته داهية، فكر مليا كيف يسلم منها في المرة القادمة عبر ابتكار حلول جديدة لم يعرفها أسلافه.
في بريطانيا، في عشرينيات القرن التاسع عشر احتاج التجار إلى وسائل لنقل البضاعة والسلع الكثيرة بين المناطق المتباعدة، فدفعت هذه الحاجة إلى اختراع أول خط للسكك الحديدية بمحركات بخارية، فتطورت الفكرة لتصبح القطارات بالشكل الذي نراها عليه اليوم.
وحينما احتاج الناس إلى نقل الأنباء والأخبار، قاموا بنشر الصحف، ثم اختراع المذياع، ثم التلفاز، ثم الانترنت. وحينما احتاج الناس للتواصل فيما بينهم، بدؤوا باستعمال الحمام الزاجل، ثم استخدام البريد الورقي، ثم استخدام التلغراف، ثم الأقمار الصناعية وغيرها.
كلنا شاهدنا كيف تتالت الأمواج البحرية الزلزالية "تسونامي" على شرق آسيا، فدفع ذلك اليابانيين إلى إنشاء مباني مضادة للزلازل، وكلنا شاهد كيف عانت اليابان من مشكل استيراد المنتجات الزراعية بسبب انعدام السهول في أراضيها، فدفعها ذلك إلى إنشاء مدرجات فلاحية على الجبال.
الحاجة أم الاختراع، فلولا حاجة الإنسان إلى الشيء لما شغل باله به، وحاجات الإنسان متغيرة وتتزايد باستمرار، والحاجة هي التي تدفع الناس إلى إنشاء البرامج .
اسأل نفسك عن كل برنامج نصبته على حاسوبك: لماذا نصبته؟ وسيكون جوابك حتما ومن غير شك هو حاجتك له، فأنت نصبت مكافح الفيروسات anti-virus لحماية حاسوبك من الأضرار المحتملة، ونصبت البرامج ل ميكروسوفت وورد microsoft word لأنك تحتاج إلى كتابة ومعالجة النصوص وتنسيقها، ونصبت برنامج قارىء الميديا، لأنك تحتاج إلى مشاهدة تسجيلات مرئية، ونصبت متصفح الويب لأنك تحتاج إلى الدخول إلى المواقع.
نفس الحاجة التي دفعتك إلى تحميل البرنامج وتنصيبه دفعت غيرك من مستخدميه، ودفعت قبلكم جميعا فئة من الناس، فقالوا: نحن نحتاج إلى برنامج يقوم بكذا وكذا، فلما بزغت الحاجة برزت شركة برمجية وقالت:أنا لها. لكن ما يهمنا نحن كأفراد نسعى إلى تعلم البرمجة، هو معرفة الطريقة الصحيحة التي بانتهاجنا لها سننشىء برامج قوية وتطبيقات جيدة بالشكل الذي نطمح إليه أو بالشكل المطلوب منا. وهذا ما سنعرض له خلال كتابنا هذا، وسنحاول قدر المستطاع أن نسلك سبيل البساطة والتفكيك، بعيدين كل البعد عن الصعوبة والتعقيد، لذلك قد أطيل في فصل معين وأسهب فيه فلا تلوموني وتعذلوني فإني ما أسهبت فيه وأطلت حبا في ذلك أو رغبة في استعراض المعارف، كلا وألف كلا، وإنما طبيعة المدروس تستلزم منا شرحه من كل جوانبه لنفهمه فهما شاملا، ولو لخصناه أو اقتضبناه لشوهناه وأسأنا شرحه، فتصل إليكم المعلومة مغلوطة أو غير كاملة. يتكون هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء يكمل بعضها البعض، فالجزء الأول يتناول مفهوم أنظمة الترميز والطرق التي يعالج بها جهاز الحاسوب البيانات والمكونات المادية المتدخلة في العملية لكي يكون المتعلم على دارية بما يحصل على مستوى الجهاز حينما يخاطبه بأوامر برمجية، والجزء الثاني يعرض باختصار كيفية القيام بالعمليات الحسابية الأساسية على البيانات الثنائية، أما الجزء الثالث فهو يتناول الخوارزميات من البداية بأسلوب متدرج وبأمثلة تطبيقية. تحميل كتاب البحر الشاسع لدخول الخوارزميات من بابها الواسع